کد مطلب:71225 شنبه 1 فروردين 1394 آمار بازدید:243

تذکیر ضروری: الورع والتقوی











وقد یدور بخلد بعض الناس السؤال التالی: إنه كیف یمكن أن نصدق أن یقدم عشرات الألوف من الصحابة علی مخالفة ما رسمه النبی [صلی الله علیه وآله] لهم فی أمر الخلافة والإمامة. وهم أصحابه الذین رباهم علی الورع والتقوی، وقد مدحهم الله عز وجل فی كتابه العزیز، وذكر فضلهم، وهم الذین ضحوا فی سبیل هذا الدین، وجاهدوا فیه بأمواله وأنفسهم!!

ونقول فی الجواب:

إن ما یذكرونه حول الصحابة أمر مبالغ فیه. وذلك لأن

[صفحه 88]

الصحابة الذین حجوا مع النبی [صلی الله علیه وآله] قبیل وفاته، وإن كانوا یعدون بعشرات الألوف.

ولكن لم یكن هؤلاء جمیعاً من سكان المدینة، ولا عاشوا مع النبی [صلی الله علیه وآله] فترات طویلة، تسمح له بتربیتهم وتزكیتهم، وتعلیمهم وتعریفهم علی أحكام الإسلام، ومفاهیمه.

بل كان أكثرهم من بلاد أخری بعیدة عن المدینة أو قریبة منها وقد فازوا برؤیة النبی [صلی الله علیه وآله] هذه المرة، وقد یكون بعضهم قد رآه قبلها أو بعدها بصورة عابرة أیضاً، وقد لا یكون رآه.

ولعل معظمهم ـ بل ذلك هو المؤكد ـ قد أسلم بعد فتح مكة، وفی عام الوفود، سنة تسع من الهجرة: فلم یعرف من الإسلام إلا اسمه، ومن الدین إلا رسمه، مما هو فی حدود بعض الطقوس الظاهریة والقلیلة.

وقد تفرق هؤلاء بعد واقعة الغدیر مباشرة، وذهب كل منهم إلی أهله وبلاده.

ولم یبق مع رسول الله بعد حادثة الغدیر، الا أقل القلیل، ربما بضعة مئات من الناس، ممن كان یسكن المدینة.

[صفحه 89]

وربما كان فیهم العدید من الخدم والعبید، والأتباع، بالإضافة إلی المنافقین والذین مردوا علی النفاق، ممن أخبر الله عن وجودهم، وأنهم كانوا ممن حولهم الأعراب ومن أهل المدینة، ولم یكن رسول الله [صلی الله علیه وآله] یعلمهم بصورة تفصیلیة، وكان الله سبحانه هو الذی یعلمهم..[1] .

قال تعالی: {وَمِمَّنْ حَوْلَكُم مِّنَ الأَعْرَابِ مُنَافِقُونَ وَمِنْ أَهْلِ الْمَدِینَةِ مَرَدُواْ عَلَی النِّفَاقِ لاَ تَعْلَمُهُمْ نَحْنُ نَعْلَمُهُمْ}[2] .

هذا إلی جانب فئات من الناس، من أهل المدینة نفسها، كانوا لا یملكون درجة كافیة من الوعی للدین، وأحكامه ومفاهیمه، وسیاساته، بل كانوا مشغولین بزراعاتهم، وبأنفسهم، وملذاتهم، وتجاراتهم، فإذا رأوا تجارة أو لهواً، انفضوا إلیها، وتركوا النبی [صلی الله علیه وآله] قائماً.

وقد تعرض كثیر من الناس منهم لتهدیدات النبی [صلی الله علیه وآله] بحرق بیوتهم، لأنهم كانوا یقاطعون صلاة الجماعة التی كان یقیمها رسول الله [صلی الله علیه وآله] بالذات، كما أنه قد كان ثمة جماعة اتخذت لنفسها مسجداً تجتمع فیه، وتركت الحضور فی جماعة المسلمین، وهو ما عرف بمسجد الضرار، وقد هدمه [صلی الله علیه وآله]، كما هو معروف.

وتكون النتیجة هی أن من كان فی ساحة الصراع والعمل السیاسی فی المدینة، هم أهل الطموحات، وأصحاب النفوذ من قریش،

[صفحه 90]

صاحبة الطول والحول فی المنطقة العربیة بأسرها. بالإضافة إلی أفراد معدودین من غیر قریش أیضاً.

فكان هؤلاء هم الذین یدبرون الأمور، ویوجهونها بالإتجاه الذی یصب فی مصلحتهم، ویؤكد هیمنتهم، ویحركون الجماهیر بأسالیب متنوعة، اتقنوا الاستفادة منها بما لدیهم من خبرات سیاسیة طویلة.

فكانوا یستفیدون من نقاط الضعف الكثیرة لدی السذَّج والبسطاء، أو لدی غیرهم ممن لم یستحكم الإیمان فی قلوبهم بعد، ممن كانت تسیِّرهم الروح القبلیة، وتهیمن علی عقلیاتهم وروحیاتهم المفاهیم والرواسب الجاهلیة.

وكان أولئك الذین وترهم الإسلام ـ أو قضی علی الإمتیازات التی لا یستحقونها، وقد استأثروا بها لأنفسهم ظلماً وعلوا ـ كانوا ـ یسارعون إلی الاستجابة إلی أی عمل یتوافق مع أحقادهم، وینسجم مع مشاعرهم وأحاسیسهم الثائرة ضد كل ما هو حق وخیر، ودین وإسلام.

وهذا هو ما عبر عنه رسول الله [صلی الله علیه وآله] حینما ذكر: أن تأخیره إبلاغ أمر الإمامة بسبب أنه كان یخشی قومه، لأنهم قریبو عهد بجاهلیة، بغیضة ومقیتة، لا یزال كثیرون منهم یعیشون بعض مفاهیمها، وتهیمن علیهم بعض أعرافها.

[صفحه 91]

وهكذا یتضح:

أن الأخیار الواعین من الصحابة، كانوا قلة قلیلة. وحتی لو كثر عددهم، فإن الآخرین هم الذین كانوا یقودون التیار، بما تهیأ لهم من عوامل وظروف، فی المدینة التی كانت بمثابة قریة صغیرة، لا یصل عدد سكانها إلی بضعة ألوف من الناس، قد عرفنا بعض حالاتهم، فكان أن تمكنوا من صرف أمر الخلافة بعد رسول الله [صلی الله علیه وآله] عن أصحابها الشرعیین، إلی غیرهم، حسبما هو مذكور ومسطور فی كتب الحدیث والتاریخ.



صفحه 88، 89، 90، 91.





    1. الظاهر: أنه لا یعلمهم فی مقام الظاهر، وفقاً لوسائل العلم العادیة، أما بعلم الشاهدیة، فإنه كان صلی الله علیه وآله یری أعمال الخلائق...
    2. الآیة 101 من سورة التوبة.